اشهر المناظرات الادبية في العصر العباسي
من المناظرات المشهورة في العصر العباسي التي عرفها الأدب العربي وشهد عليها تاريخه ، جمعت بين أديبين عريقين ، ولهما من المكانة الأدبية المرموقة وزنا كبيرا .
أشهر مناظرات في العصر العباسي
الشيخ الأديب محمد بن العباس الخوارزمي ، وهو أديب وشاعر وكاتب رسائل معروف في زمانه وعصره ، وهو ليس بالخوارزمي عالم الرياضيات المعروف .
أما الشخصية الثانية فهو داهية عصره وزمانه ، الرجل الذي يأمر الكلمات فتطيعه ، ويلاعبها فترقص له كما يشاء ، صاحب المقامات المعروفة بديع الزمان الهمذاني ،
عبقري عصره وزمانه بديع الزمان الهمذاني
كان بديع الزمان آنذاك في بداية مسيرته الأدبية ، وكان يسعى بكل عزم وجد ليثبت نفسه أمام كبار أدباء عصره . في حين كان الخوارزمي علما في عصره ، وشيخ أدبائهم ، فاستغل بديع الزمان أي فرصة للتعرف عليه ومناظرته . وهذا ما تأتى له بعد أن تعرف على كبار القوم وعليتهم ، وكان من بينهم السيد الشريف أبا علي ، وهو الذي جمعهما في المناظرة . بحضور مجموعة من الشخصيات الأدبية الرفيعة ، وخيرة من القوم .
بداية المناظرة
- بديع الزمان ( يبتسم بثقة ) : سيسعدنا أن نسمع منك شيخنا ما تحفظه من شوارد الأبيات ، وحكم الأمثال ، وعجائب القصص والأخبار ، فتسألني وأسألك ، وتباحثني وأباحثك ، فتعم الفائدة علينا جميعا ، وإن شئت بدأنا بأكثر شيء برعت فيه شيخنا ، وهو الحفظ .
- أحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه ، وقال : سأبادهك ( أي سرعة البديهة في الرد) .
إذن فلتنسجا على منوال المتنبي :
أرق على أرق ومثلي يأرق
الخوارزمي :
فإذا ابتدهت بديهة يا سيدي ** * فآراك عند بديهتي تتقلّق***
مالي أراك ولست مثلي في الورى *** متموها بالترهات تُمخرق
بديع الزمان ( بكل ثقة ) :
أراك قد وقفت بين قافات خشنة كل قاف كجبل قاف ، فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك :
مهلا أبا بكر فزندك أضيق * وأخرس فإن أخاك حي يرزق
يا أحمقاً وكفاك تلك مصيبة * جربت نار معرتي هل تحرق
الخوارزمي : لقد أخطأت في قولك أحمقاً فهو اسم لا ينصرف !
- بديع الزمان : لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه ، وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف ، وإن شئت قلت : يا كودناً ، ثم قولك في البيت يا سيدي ، ثم قلت تتقلق مدحت أم قدحت ؟
فإن اللفظين لا يركضان في حلبة !
حسن حسن .
.الآن قولا على منوال المتنبي :
أهلا بدار سباك أغيدها
بديع الزمان :
يا نعمة لا تزال تجحدها * ومنة لا تزال تكندها
الخوارزمي :
هيه الكنود قلة الخير ولا تعني الكفر به .
الشهود الحاضرون :
لقد صدق بديع يا أبا بكر ، ألم تقرأ لقوله تعالى : ‘ إن الإنسان لربه لكنود ‘ ( العاديات 6 ) أي لكفور .
الخوارزمي ( وقد بدأت تظهر عليه علامات العصبية ) :
اكتسبتُ بعقلي وعلمي احترام وثناء أهل همذان ، فما الذي اكتسبته أنت ؟
بديع الزمان :
أنت في حرفة الكدية ( التسول ) أحذق ، وبالاستماحة أحرى وأخلق ـ
/ وكأن بديع يقول للخوارزمي بأن ما وصل إليه لا يعدو تسولا للأمراء وطلب عطفهم .
وأنشد بديع الزمان قول ابن الرومي :
رأيت شيخا سفيها * يفوق كل سفيه
وقد أصاب شبيها * له وفوق الشبيه
أنشدا الآن على منوال أبي الشيص :
أبقى الزمان به ندوب عضاض * ورمى سواد قرونه ببياض
الخوارزمي :
يا قاضيا ما مثله من قاض * أنا بالذي تقضي عليه راض
ولقد بليت بشاعر متهتك * لا بل بليت بناب ذئب غاض
بديع الزمان :
ما معنى قولك ذئب غاض ؟
/الغضا : نبات تأكل منه الإبل
الخوارزمي ( منحرجا ) :
أقلت ذلك ؟
اممم الذئب الغاضي الذي يأكل الغضا .
بديع الزمان ( مندهشا ) :
استنوق الذئب وصار جملا يأكل الغضا ؟!!!
الخوارزمي ( وقد أخذت منه الغضب مأخذه ) :
لأتركنك بين الميمات
بديع الزمان : ما معنى الميمات ؟
الخوارزمي : بين مهدوم ، ومهزوم ، ومغموم ، ومحموم ، ومرجوم ، ومحرو م .
بديع الزمان :
لأتركنك بين الهيام والسقام والسام والبرسام والجذام والسرسام .
وبين السينات :
بين منحوس ، ومنخوس ، ومنكوس ، ومعكوس .
وبين الخاءات :
من مطبوخ ، ومسلوخ ، ومشدوخ ، ، ومفسوخ وممسوخ
وبين الباءات :
بين مغلوب ، ومسلوب ، ومصلوب ، ومنكوب .
- فتجمع الناس حول بديع الزمان وأعظموا عليه بالثناء والمديح والإكرام ، وعاد الخوارزمي إلى داره يجر أذيال الهزيمة . وقد انكسر انكسارا شديدا لذلك ، وقد بلغت شهرة بديع الزمان الآفاق بعد هذه المناظرة . والتي استعمل فيها كل ما أوتي من مكر ودهاء لغوي للإطاحة بغريمه ، والمناظرة لا شك كانت طويلة وعلى أشواط متفرقة . لكن آثرنا أن نذكر أبرز ما جاء فيها نقلا عن المؤرخين والرواة .
معجم الادباء/ ياقوت الحموي
المصدر: