إعراب شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
تفسير سورة البقرة
إعراب اية شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ
رمضان: مضاف اليه مجرور وعلامة جره: الفتحة بدلا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف.
الذي: اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «شَهْرُ» ويجوز اعراب «شَهْرُ» بدلا مرفوعا من المبدل منه «الصِّيامُ» في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ.
وفي هذه الحالة تكون كلمة «الَّذِي» في محل جر صفة لرمضان.
وهناك وجه آخر لاعراب «شَهْرُ» هو كونه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: هو شهر رمضان.
إعراب قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
⬤ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح.
فيه: جار ومجرور متعلق بأنزل.
القرآن: نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
وجملة «أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
⬤ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ: هدى: حال منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر.
للناس: جار ومجرور متعلق بالمصدر «هُدىً» أو بصفة محذوفة منها.
وبينات: اسم معطوف بالواو على «هُدىً» منصوب وعلامة نصبه الكسرة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.
إعراب قول الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
⬤ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ: جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «بَيِّناتٍ» والفرقان: معطوف بالواو على «الْهُدى» مجرور مثله بالكسرة الظاهرة.
⬤ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ: الفاء: استئنافية.
من: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
شهد: فعل ماض فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم بمن والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو.
منكم: جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «من» و «من» بيانية والميم علامة جمع الذكور.
الشهر: ظرف زمان منصوب بالفتحة وليس مفعولا به لأن التقدير: فمن كان منكم حاضرا في الشهر، وحذف المفعول تفخيما له.
فليصمه الفاء: رابطة لجواب الشرط.
اللام: لام الامر.
يصمه: وأصل الفعل: «يصومه» فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه السكون.
والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو وحذفت واو الفعل لالتقاء الساكنين والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب على الظرفية يعود على «الشَّهْرَ» والتقدير: فليصم فيه.
وجملة «فَلْيَصُمْهُ» جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم.
وجملتا فعل الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ «من».
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى اعراب
⬤ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ: الواو: عاطفة.
﴿وَمَنْ﴾: الواو حرف عطف مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب، "من": اسم شرط جازم مبنيّ على السكون في محلّ رفع مبتدأ.
﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتح الظاهر على آخره في محلّ جزم فعل الشرط، واسم "كان" ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى "من".
﴿مَرِيضًا﴾: خبر "كان" منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
﴿أَوْ﴾: حرف عطف مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب.
﴿عَلَى﴾: حرف جرّ مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب.
﴿سَفَرٍ﴾: اسم مجرور بـ "على" وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.
والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف في محلّ نصب عطفًا على خبر "كان"، أي: كان مريضًا.
﴿فَعِدَّةٌ﴾: الفاء حرف ربط واقع في جواب الشرط مبنيّ على الفتح لا محلّ له من الإعراب، "عدة" مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
والخبر محذوف، والتقدير: فعلية عدّة.
والجملة "فعليه عدة" في محلّ جزم جواب الشرط.
وجملة فعل الشرط وجوابه في محلّ رفع خبر المبتدأ "من".
وجملة المبتدأ والخبر معطوفة على جملة "من شهد منكم" لا محلّ لها من الإعراب.
﴿مِنْ﴾: حرف جرّ مبنيّ على السكون لا محلّ له من الإعراب.
﴿أَيَّامٍ﴾: اسم مجرور بمن، وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة.
والجارّ والمجرور متعلّقان بمحذوف صفة لِ"عدة".
﴿أُخَرَ﴾: صفة "أيام" مجرور، وعلامة جرّه الفتحة عوضًا عن الكسرة؛ لأنَّه ممنوع من الصرف للوصفية والعدل.
⬤ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ: يريد: فعل مضارع مرفوع بالضمة.
الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.
بكم: جار ومجرور متعلق بيريد والميم: علامة جمع الذكور.
اليسر: مفعول به منصوب ب
وعلامة نصبه الفتحة.
ويجوز إعرابه: مفعولا مطلقا بتأويل المصدر على تقدير: يريد الله ان ييّسر عليكم يسرا.
⬤ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ: الواو: عاطفة.
لا: نافية لا عمل لها.
يريد بكم العسر: تعرب اعراب «يريد بكم اليسر» وفاعل الفعل «يُرِيدُ» الثاني: ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: هو يعود على اسم الجلالة.
⬤ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ: الواو: عاطفة.
لتكملوا: معطوفة على علة مقدرة أي: لتعلموا ما تعلمون ولتكملوا العدة.
اللام: لام الأمر.
تكملوا: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة.
الواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل.
والألف فارقة.
العدة: مفعول به منصوب بالفتحة ويجوز أن يكون «تكملوا» منصوبا بأن مضمرة بعد لام التعليل.
اي لأن تكملوا أو بمعنى لكي تكملوا.
⬤ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: الواو: عاطفة.
لتكبروا: معطوفة على «لِتُكْمِلُوا» وتعرب اعرابها وعدي فعل التكبير بحرف الاستعلاء بتقدير «ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم».
الله لفظ الجلالة: مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.
⬤ عَلى ما هَداكُمْ: على: حرف جر بمعنى لام التعليل.
ما: مصدرية هداكم: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل: ضمير مستتر جوازا نقديره هو.
والكاف ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
والميم: علامة جمع الذكور والمصدر المؤوّل من ما وما تلاها: في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بتكبروا أو بحال من ضمير «تكبروا» التقدير: حامدين الله على هدايتكم أو لهدايته اياكم وجملة «هَداكُمْ» صلة «ما» لا محل لها.
⬤ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: الواو: عاطفة.
لعل: حرف مشبه بالفعل تفيد هنا التعليل.
الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم: علامة جمع الذكور.
تشكرون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة.
والواو: ضمير متصل في محل رفع فاعل وجملة «تَشْكُرُونَ» في محل رفع خبر «لعل» المعنى: لتشكروا.
تفسير سورة البقرة شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
تفسير سورة البقرة
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور ، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه ، وكما اختصه بذلك ، قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء .
قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عمران أبو العوام ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة يعني ابن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان . وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " .
وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه : أن الزبور أنزل لثنتي عشرة [ ليلة ] خلت من رمضان ، والإنجيل لثماني عشرة ، والباقي كما تقدم . رواه ابن مردويه .
أما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة ، وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في شهر رمضان ، في ليلة القدر منه ، كما قال تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [ القدر : 1 ] . وقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ الدخان : 3 ] ، ثم نزل بعد مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا روي من غير وجه ، عن ابن عباس ، كما قال إسرائيل ، عن السدي ، عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم ، عن ابن عباس أنه سأله عطية بن الأسود ، فقال : وقع في قلبي الشك من قول الله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وقد أنزل في شوال ، وفي ذي القعدة ، وفي ذي الحجة ، وفي المحرم ، وصفر ، وشهر ربيع . فقال ابن عباس : إنه أنزل في رمضان ، في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلا في الشهور والأيام . رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، وهذا لفظه .
وفي رواية سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا فجعل في بيت العزة ، ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة لجواب كلام الناس .
وفي رواية عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر إلى هذه السماء الدنيا جملة واحدة ، وكان الله يحدث لنبيه ما يشاء ، ولا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه ، وذلك قوله : ( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) [ الفرقان : 32 ، 33 ] .
تفسير سورة البقرة
تفسير سورة البقرة
[ قال فخر الدين : ويحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثله من اللوح إلى سماء الدنيا ، وتوقف ، هل هذا أولى أو الأول ؟ وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان ، وحكى الإجماع على أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وحكى الرازي عن سفيان بن عيينة وغيره أن المراد بقوله : ( الذي أنزل فيه القرآن ) أي : في فضله أو وجوب صومه ، وهذا غريب جدا ] .
وقوله : ( هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه ) وبينات ) أي : ودلائل وحجج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال ، والرشد المخالف للغي ، ومفرقا بين الحق والباطل ، والحلال ، والحرام .
وقد روي عن بعض السلف أنه كره أن يقال : إلا " شهر رمضان " ولا يقال : " رمضان " ; قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن بكار بن الريان ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، وسعيد هو المقبري عن أبي هريرة ، قال : لا تقولوا : رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، ولكن قولوا : شهر رمضان .
قال ابن أبي حاتم : وقد روي عن مجاهد ، ومحمد بن كعب نحو ذلك ، ورخص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت .
قلت : أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن المدني إمام [ في ] المغازي ، والسير ، ولكن فيه ضعف ، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا ، عن أبي هريرة ، وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي وهو جدير بالإنكار فإنه متروك ، وقد وهم في رفع هذا الحديث ، وقد انتصر البخاري ، رحمه الله ، في كتابه لهذا فقال : " باب يقال رمضان " وساق أحاديث في ذلك منها : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ونحو ذلك .
وقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر أي كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان ، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة . ونسخت هذه الآية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحا مقيما أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم ، كما تقدم بيانه . ولما حتم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر في الإفطار ، بشرط القضاء فقال : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) معناه : ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه ، أو يؤذيه أو كان على سفر أي في حال سفر فله أن يفطر ، فإذا أفطر فعليه بعدة ما أفطره في السفر من الأيام ; ولهذا قال : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) أي : إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض وفي السفر ، مع تحتمه في حق المقيم الصحيح ، تيسيرا عليكم ورحمة بكم .
وهاهنا مسائل تتعلق بهذه الآية :
إحداها : أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيما في أول الشهر ثم سافر في أثنائه ، فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه ، لقوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر ، وهذا القول غريب نقله أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى ، عن جماعة من الصحابة والتابعين . وفيما حكاه عنهم نظر ، والله أعلم . فإنه قد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح ، فسار حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر ، وأمر الناس بالفطر . أخرجه صاحبا الصحيح .
الثانية : ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر ، لقوله : ( فعدة من أيام أخر ) والصحيح قول الجمهور ، أن الأمر في ذلك على التخيير ، وليس بحتم ; لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان . قال : " فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم " . فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام ، بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في مثل هذه الحالة صائما ، لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء [ قال ] خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في شهر رمضان ] في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه [ من شدة الحر ] وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة .
الثالثة : قالت طائفة منهم الشافعي : الصيام في السفر أفضل من الإفطار ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وقالت طائفة : بل الإفطار أفضل ، أخذا بالرخصة ، ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : " من أفطر فحسن ، ومن صام فلا جناح عليه " . وقال في حديث آخر :
" عليكم برخصة الله التي رخص لكم " وقالت طائفة : هما سواء لحديث عائشة : أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله ، إني كثير الصيام ، أفأصوم في السفر ؟ فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " . وهو في الصحيحين . وقيل : إن شق الصيام فالإفطار أفضل لحديث جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد ظلل عليه ، فقال : " ما هذا ؟ " قالوا : صائم ، فقال : " ليس من البر الصيام في السفر " . أخرجاه . فأما إن رغب عن السنة ، ورأى أن الفطر مكروه إليه ، فهذا يتعين عليه الإفطار ، ويحرم عليه الصيام ، والحالة هذه ، لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره ، عن ابن عمر وجابر ، وغيرهما : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة .
الرابعة : القضاء ، هل يجب متتابعا أو يجوز فيه التفريق ؟ فيه قولان : أحدهما : أنه يجب التتابع ، لأن القضاء يحكي الأداء . والثاني : لا يجب التتابع ، بل إن شاء فرق ، وإن شاء تابع . وهذا قول جمهور السلف والخلف ، وعليه ثبتت الدلائل ; لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر ، فأما بعد انقضاء رمضان فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر . ولهذا قال تعالى : ( فعدة من أيام أخر ) ثم قال : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) قال الإمام أحمد :
حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا ابن هلال ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن أبي قتادة ، عن الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره " .
وقال أحمد أيضا : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم بن هلال ، حدثنا غاضرة بن عروة الفقيمي ، حدثني أبي عروة ، قال : كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل ، فصلى ، فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه : علينا حرج في كذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن دين الله في يسر " ثلاثا يقولها .
ورواه الإمام أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث مسلم بن إبراهيم ، عن عاصم بن هلال ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة قال : حدثنا أبو التياح ، سمعت أنس بن مالك يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يسروا ، ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا " . أخرجاه في الصحيحين . وفي الصحيحين أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن : " بشرا ولا تنفرا ، ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا " . وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت بالحنيفية السمحة " .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره : حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى ابن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا أبو مسعود الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن محجن بن الأدرع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره ساعة ، فقال : " أتراه يصلي صادقا ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، هذا أكثر أهل المدينة صلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسمعه فتهلكه " . وقال : " إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ، ولم يرد بهم العسر " .
ومعنى قوله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ) أي : إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر ، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم .
وقوله : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) أي : ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم ، كما قال : ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) [ البقرة : 200 ] وقال : [ ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) ] [ النساء : 103 ] ، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [ الجمعة : 10 ] وقال : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ) [ ق : 39 ، 40 ] ; ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح ، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات .
وقال ابن عباس : ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير ; ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية : ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ) حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إلى وجوبه في عيد الفطر ; لظاهر الأمر في قوله ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) وفي مقابلته مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشرع التكبير في عيد الفطر . والباقون على استحبابه ، على اختلاف في تفاصيل بعض الفروع بينهم .
وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) أي : إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه ، وترك محارمه ، وحفظ حدوده ، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك .